( ضاعَ الوَقْتُ فَمَنْ يُعِيدُه )
بُلدانِ العالم تَهتَمُ بِتنظيمِ حياةِ شُعوبِها من خلالِ تحديد ساعاتِ العمل لإجلِ الحِفاظُ على مواردِها ودَخْلُها الشهري لكي يستطيعُ كُلُّ فَردٍ تأمينُ مستلزماتِ الحياة ، وهذا لا يأتي إلا بالجِد والمُثابَرة وإستغلالُ الوقتْ لزيادةِ الإنتاج في كافةِ المجالات سواءٌ كانت زراعية – صناعية – علمية – ثقافية وغيرُها من الأُمـور التي يشْتهِرُ بها ذلكَ البلد . لِنَعُد للتاريخِ قليلاً ونذْكُر إن بدايةُ الثورةِ الصناعية كانت في بريطانيا وأغلَبُ الإبتِكارات التِقنية تعودُ إليها حتى أصبحَت في مُنتصفِ القرنِ الثامنُ عشر الدولةُ التجارية الرائدةُ في العالم ، وفرَضت سيطرَتها على إمبراطورية تجارية عالمية مُتميِّزة ، كما يجبُ أن نُشيرُ إلى إن هناك بُلداناً أبْهرتَ العالم بمُنْتجاتِها مثلُ الصين وكوريا الجنوبية ويرجِعُ الفضلُ في ذلك إلى من يتَولونَ الحُكم لكَونهم يِحثون الشعب على العملِ والإبتكار لما كُلِّ ماهوَ مفيد ويخْدِمُ بلدهُم وبُلدانُ العالم لإجلِ الحصولُ على مكاسِبَ ماديةٍ لبلادِهم . نعْلَمُ جيداً إن أيُ دولةٍ تنتجُ إحتياجاتُ مواطنيها وخصوصاً على الصَعِيدين الزراعي والصناعي يكونُ إقتصادُها قوياً جداً لأنها حافَظت على العُملةِ الأجنبية داخلَ بلادها دونَ الحاجةُ إلى إخراجُها من البلاد لغرِضُ الإستيراد بل تصَدِرُ الفائضَ من إنتاجها للبُلدانِ الأُخرى وتجْلِبُ العُمْلة الصعبة للبلاد كخزينٍ من الأموالِ في البنوگ ، كُلُّ هذا لايأتي بسهولة بل بعقولٍ حكِيمة همها كيفَ يُحافِظُونَ على إقتصادِ بلدهم ومواكبةُ التطوُّر في العالم ، بالإضافةِ إلى التنافُسُ مع الدوَّلُ الأُخرى في عرضِ بضاعتُهم والترويجُ لها خلالِ المعارضُ الدولية التي تقامُ في أغلبِ الدول الصناعية . إنهم شعوبٌ يستحِقونَ أن تُرفَع القُبَّعةُ لهم لأن الوقتَ ثمينٌ عندهم وإن إضاعتهُ معناها جريمةٌ لا تغتَفر حتى لايُصْبحونَ شعباً يأكلُ أكثَرَ مما يُنتِج ويسودُهم الجَهلُ والتَخلُف . لِنرجِعُ بذاكرتِنا ونُقارِن مرحلةُ ما قبلُ عام ٢٠٠٣ سيعودُ بنا شريطُ الذاكِرة إلى تلكَ الحقْبةُ المريرة التي كان الحصارُ الجائرُ في ذلك الوقت مفروضاً على العراق لكنَ رغمُ ذلك كان الحياةُ منظَّمةٌ والوقتُ يُحترم ، تجِدُ الأغلبيةُ إن كانوا موظفين أو عسكريين أو فلاحين أو كَسَبة منذُ ساعاتِ الفجرِ الأُولى الجميعُ يذهبُ إلى عملهِ كُلُّ حسبَ إختصاصه ولاتؤثرُ الظروفُ الجوية على أداءِ أعمالهم ، ولايوجودُ موظفٌ فضائي مِثلما تُطلَق هذهِ التسميةُ الدخِيلةُ علينا في عصرنا هذا على كُلِّ موظفٌ يستلمُ الراتبَ دونَ أيُ عملٍ يقومُ به مُقابِلَ مبلغٌ مادي متفقٌ عليه بينهُ وبينَ مسؤولهُ الأعلى . وأضِف إلى ذلك إننا بعدَ الإحتلال فقدنا أهميةُ الوقت إذ إن أغلبُ المصانع إن لم تَكُن مُدمَّرة نَجِدُّها مُعطَّله وأصبح الأغلبية ينهضُونَ للعملِ بوقتٍ مُتأخر ويعودونَ مُبَكِراً وهناكَ عدةُ أقوال عن الوقت منها ( الوقتُ من ذهبٍ إن لم تُدرِكهُ ذهب ) ( الوقتُ كالسيف إن لم تقطَعْهُ قَطعكَ ) وقد أصبحَ أغلبُنا يَقضي وقتَه على الموبايل ولانعرِفُ كيف تمُرُ الساعاتُ دونَ أن نَشعُر بدقائقِها وثوانِيها والمصيبةُ الأكبر أنَّ البعضُ أثناءَ العملْ لايتْرُكَ الإنشغالُ بالإتصالات أو تصفُحُ الإنترنت وغيرها من الأُمور ويَنِْسى ويَتَناسى إن الوقتَ في بلدٍ غيرُ بلادُنا شيءٌ مُقدَّسٌ بالنسبةِ لهُم ولايهمِله إلا الجاهلُ عِلمِياً وعَملِياً . يقودَنا الحنينُ للماضي كيفَ كُنا نخْرجُ من الصباحِ الباكِر ونستمِعُ إلى صوتِ القرآن الكريم ونحنُ نستقِلُ سيارةَ أُجرة أو الباصات أو عند مرورِنا بالقربِ من المقاهي ، للأسف أغلبُ ماذكرْتَهُ الآن أصبحَ أُماني تذهَبُ في مهَبِ الريح ، وألأدْهَى والأَمَّرُ من ذلك بدأ وقتُ الليلِ لدى الكثيرينَ يُصبحُ كالنهار لأنهُم يبقونَ يقِظينَ إلى الفجرِ بينما يقضي النهارَ في النوم ولايُفكِرُون كيفَ يِستغِلونَ الوقتَ للبناءِ والتطور ، بل الذي يشغَلُ تفكيرَهم أنواعُ الأكلِ والمطاعمُ وأينَ يقضونَ ليلةُ العَشاء والسهرُ مع بعضِهم البعض ، أصبحنا نفَكِرُ ببطونِنا أكثرُ من التفكيرِ بِعقولِنا ونعرفُ المطاعمُ بأنواعِها وماهي الأكلاتُ التي تُقَدمها ولانعرِفُ إن كانَ لدينا معامِلَ تنتجُ أو لاتنتِجْ . إلى متى نَبقى على هذا الحال الذي يشعرُ البعضُ بالسعادةِ بهِ لأنهُم كُسالى وعندما فتحوا عُيونهم على الدُنيا وجدَوا الوَضْعُ على هذا الحال ويَعتبِرونهُ شيئاً طبيعياً بالنسبةِ لهم ، لكنِهُم تَناسُوا في حالةِ فُرِضَ علينا حصارٌ لمدةِ شهرٌ واحد لماتَت الناسُ جوعاً لأنَّ أغلبُ الأشياءُ مستوردةٌ والإنتاجُ المحلي خجول لايكفي لبضْعةِ أيام وأصبَحنا بلداً لايزرعُ ولايَصْنَع لعدَمِ وجود الدعِّم الحُكومي للفَلاحِين من خلال توفيرُ الآلاتُ الزراعية والبذورُ والأسمدة وغيرها لتشجيعَهم على الزراعة وتُرِكَت المصانعُ التي دُمِّرت نتيجةُ الحُروب دونَ إعادةُ بنائها وتوقَّف البقِيَّةُ منها عن العمل لأسبابٍ لايعلمُها المواطن ، مع العِلْم خَيراتُنا مُتعدِدَة لكن لو عَملْنا للإستفادة من تلكَ الثروات بالتأكيد سنعيشُ أفضلَ من باقي الدُوَّل .
فهل ياتُرى يأتي يومٌ ما ويعودُ إلينا الشعور بأهميةِ الوقت كَما كانَ سابقاً بعدَ ضَياعهِ منذُ سَنواتْ لكي نأكُل من أرضِنا ونلْبَسُ من مصانِعُنا ؟
الكاتب / محمد عطيه الذهبان