( العِزلةُ مابينَ الراحةِ والإكتئاب )
قد تؤدي الحروب أو بعضُ الظروف الإجتماعيةُ أو المادية التي مرتْ بها بعض العوائل للعيش في مجتمعاتٍ قد لاتتناسبُ مع عقليتهم وطبيعةُ حياتِهم التي نشؤوا وترعرعوا فيها ، وحصل هذا مع أغلبْ أبناءُ المحافظات التي إضطرت للنزوح أو التهجيرُ القسري من مناطق سكناهم ، مما حدا بهم للعيش في المُخيَّمات أو مدنٌ اخرى وأحياء لم يخطرُ ببالهم يومٍ من الأيام أن يسكنوها . هنا يبقى البعضُ منهم في حَيرَةٍ من امرِهْ مابين قَبُول الواقع الذي فُرضَ عليه وبين الإنعزال عن هكذا مجتمع لكونهِ مختلف تماماً في طبيعةُ العيش والتصرف والعاداتُ والتقاليد وتربيةُ الأولاد الصِغار في السِنْ وحالةُ نشأتِهم وماهي طريقةُ الإختلاطُ بين أبناء هذا الواقع المرير . حتماً سيكتسِبُ هؤلاءُ الأطفال الكثير من تصرفاتُ ممن حولهم ، وبالنتيجة تبدأُ المشاكل داخل تلك العوائل مابين الأطفال وذويهم مما يضطرَهم إلى شبه الإنعزالُ التام لأجلِ الحفاظُ على طبيعة تركيبتهمُ الإجتماعية التي تكون معرضةٌ للتغيير مع مرور الزمن . لكن إن طالت فترةُ العيشْ مع هذا الواقع المفروض
تُرى إلى متى تبقى مدةُ العزلة ؟
حتماً تستمرُ لفترةٍ معينة لكن الواقعُ سيضطَرهم إلى الإختلاطُ شَيْئاً فَشَيْئاً دونَ الشعورُ بذلك إلى أن تصِلَ بهم الحالة أن يتقبلوا الواقع رغم كل المكابراتِ والشدةُ والعزم ، لأن تركيبةُ البشر لأجل العيش هو التعايشُ فيما بينهم . وكلما طالت فترةُ النزوح حتماً يولدُ صغارٌ لتلك العوائل ولايمكن السيطرةُ على منعِهم من اللعبِ خارج المنزل والإختلاط بمن هم في أعمارهم وهذا يتسببَ في حصول مشاكلٌ مختلفة وكثيرة ومتشعبة المواضيعُ بين هؤلاء الساكنين . هنا تنقسمُ تصرفات بعضُ تلك العوائل في التربية مابين قبل التهجير ومابعدها أي بمعنى هناك من نشأ نشأة صحيحة سابقة والبعضُ الآخر أصبحَ مختلفٌ عمن سبقوه ضمن العائلة الواحدة . الكلُ منا يعرفُ إن الحروب لاتُخَلفُ ورائها إلا تفكُك أُسري وإنحلالُ مجتمعي وإزديادُ معدلات الجريمة وغيرها من المشاكل الأخرى ، ولا نُنْكرُ إن بعضُ الأشخاص بطبيعتهم يحبون العزلة منذ نشأتهم وهؤلاء إما هناك إختلاف في تركيبتهم الفسيولوجية وهم معرضون للإصابةِ بالإكتئاب والشيخوخةُ بوقتٍ مُبَكِرْ ويصبحونَ من المدمنينَ على علاج الأمراضِ النفسية التي تكون أغلبها عبارة عن مهدئاتٍ للنوم من أجل تقليل الزيادةُ في التفكير . ولايفوتنا إن المشاكل خاصةً مع الأقارب والأصدقاء تجبر البعضُ للعُزلةِ المؤقتة بعيداً عن القالِ والقيلْ وفي مثل هذه الحالات تحديداً رأيي الشخصي فيها هو ( إن العزلة احياناً ليس إكتئاب كما يراها البعض وإنما مراجعةٌ للنفس لأجل إعادة تنظيمُ التعامل مع الكثيرين وراحةٌ للبالِ من تطفلِ الآخرين ) لأن أغلبنا أحياناً يحتاج أن يراجعَ نفسه في إعادة علاقاته والبعضُ من تصرفاته خصوصاً إذا تعرَّضْ لحالاتِ خيبةُ الأمل وخيانةُ الثقةِ المفرطة التي أُعطيتْ لبعضِ المقربين منه وعندما يصلُ الموقف إلى هذه الدرجة يتوجَبُ على هكذا أشخاص أن يبتعدوا لفترةٍ ما لكي يتخذوا قرارات صحيحة تُجنِبهم التعرضُ لحالات الغدرِ والخيانة مجدداً .
وأخيراً وليس اخراً علينا أن نتَّعِظ ونفهم من الحياةِ دروسها ونُصحِحُ مسيرتنا لنكسبْ راحتنا النفسية .
الكاتب محمد عطيه الذهبان
عضو منظمة حقوق الإنسان العالمية ومكافحة الفساد في الولايات المتحدة الأمريكية اريزونا