الأربعاء, مارس 26, 2025
spot_img
الرئيسيةمقالاتأوراق الخريف - رواية

أوراق الخريف – رواية

أوراق الخريف- رواية: الفصل الثاني عشر
د. آدم عربي

في صمت القاعة الواسعة، حيث تتراقص أضواء الثريا الفاخرة على جدرانها، تجلس جينا وحيدة، تستنشق عبق ذكرياتها في بوسطن. تحتضن فنجان قهوتها بين يديها، تاركةً لحرارته أن تذيب برودة التفكير في الرحيل. تتأمل الشوارع من خلال النافذة الزجاجية، مستعدةً للغوص في صخب السوق .

تتسلل صورة أحمد إلى ذهنها، كظلٍ لم يفارقها منذ لقائهما الأخير. تتعثر أفكارها حول سبب صمته، تلك الفترة التي تجاوزت الشهر، دون أن يحاول الاتصال بها. تدور في فكرها حوارات وهمية، تبحث فيها عن إجابات قد تُسكن روع الشكوك التي تعتريها.

وأخيرًا، تقرر جينا كسر حاجز الصمت، تمسك هاتفها بتردد، ثم بقوة، وتضغط على الأرقام . ترن الأجراس في أذنها، وتترقب الصوت الآتي من الطرف الآخر. وبنبرة ملؤها الخجل والترقب، تقول:

مرحبا أحمد
أهلا جينا

-أنا في بوسطن

يا حظ بوسطن ، ماذا تفعلين هناك؟
ها ها ، العمل ومشاكله
العمل أم مشاكله؟ ها ها
الاثنان
بالطبع يا جينا ، ما دمتِ تتحركين ستشعرين بالأصفاد على قدميكِ
ها ها، نعم صحيح
ما هي أخبارك وماذا تفعل يا أحمد
تمام ، بخير
هل تريد شيء من بوسطن
في الحقيقة أريد واشنطن
هذا ليس بمقدوري هاها
أعرف ذلك ،ربما بمقدوري يوماَ ما
ماذا؟
لا شيء ، ها ها
لم تقل لي ، ماذا تريد؟
شكراً ، لا أريد شيئاً
لكنني أرغب بشراء هدية لك ، فماذا تريد؟
يعني لا بدّ من الهدية!
نعم ، لا بدّ من الهدية

-حسناً ، اختاري أنتِ أيّ شيء

أصلُ غداً مساءاً ، وبعد غد أكون في الشركة ، وأنت تعرف مكان الشركة ، أكون سعيداً أنْ نتناول طعام الغداء معاً في كوبلت
حسناً ، لكن الغداء على حسابي
نناقش ذلك لاحقاً

في صباح يوم مشرق، كانت جينا تعد الثواني والدقائق، تترقب بشوق لحظة اللقاء المنتظر مع أحمد في أروقة الشركة. ومع حلول اليوم الموعود، دلف أحمد إلى الشركة.

-مرحباً

أجابت السكرتيرة أهلا
أين مكتب السيدة جينا؟
بانتظارك ، وفتحت له الباب المؤدي إلى مكتب جينا

بخطوات واثقة، توجه نحو مكتب جينا الفاخر، حيث الأناقة تعانق الذوق الرفيع. وهناك، في ذلك الفضاء الذي يشع بالدفء والترحاب، جلس أحمد.

هكذا هي مكاتب البرجوازيين؟ ها ها
هاها ، يبدو يا أحمد لا تحبهم
بالعكس ، هم أساس التطور، لكن ليس حباً في التطور وإنما حباَ في المال
أنا موظفة يا أحمد
أعرف ، أعرف ،هاها

وفي لمسة تعبيرية عن التقدير والمودة، قدمت جينا لأحمد هدية تليق بالمناسبة؛ زجاجة عطر فاخرة، تفوح منها رائحة الاحتفال باللقاء والتواصل الإنساني.

ومع اكتمال الصورة، خرج الاثنان معاً، تاركين وراءهم جدران الشركة، لينعما بأشعة الشمس الدافئة ويذهبان لتناول طعام الغداء في أحد المطاعم القريبة، وهو مطعم كوبلت الفاخر، متبادلين أطراف الحديث والضحكات.

هل دخلت هذا المطعم من قبل يا أحمد
لا

-لكنه مطعم فاخر

أعرف أنه فاخر ، لكن ليس لي
لمن إذن

-للطبقات البرجوازية ،وأنا بسيط ، وأنا لستُ منهم

-هاها ، لستُ برجوازية يا أحمد ، صحيح أنني مديرة شركة ، لكنني لستُ منهم

ها ها ، ليكن طموحك أن تكوني منهم ، فأنت شارفتِ على الوصول إليهم ، فأنتِ الآن من فئة العليا من الطبقة المتوسطة
أنتَ تعرف الكثير يا أحمد ، ما هي أجمل المعارف؟
أجمل المعارف أن تعرف نفسك
عظيم ، أكمل

-أجمل المعارف أن تعرف نفسك ، أجمل عودة أن تعود لنفسك ، أجمل اكتفاء أن تكتفي بنفسك ، وربما أجمل الصداقات صداقتك لنفسك ، وأول جملة فلسفية لسقراط : اعرف نفسك

كلامك جميل يا أحمد ، هذا كلام فلاسفة ومشاهير
كلام فلاسفة نعم ، أما مشاهير فلا
ماذا تقصد؟
أكثرهم شهرة ، ممثلين ولاعبي كرة قدم ، أما الفلاسفة والأدباء والعلماء فهم أقل شهرة ، يكسب الأولون الملايين والاخرون يكسبون قوت يومهم ، فالناس تميل الى اللهو أكثر من المعرفة ، اللهو أقرب للقلوب والمعرفة أقرب لوجع الرأس .
بالفعل

أحمد يرفع يده مشيراً للنادل بالقدوم ويدفع ثمن الغداء مع إكرامية للنادل وسط ذهول جينا….

يتبع في الفصل الثالث عشر…..

المادة السابقة
المقالة القادمة
مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -spot_img

الأكثر شهرة

احدث التعليقات