الخميس, مايو 15, 2025
spot_img
الرئيسيةأربعون يوماً على رحيل عباس إبراهيم البغدادي

أربعون يوماً على رحيل عباس إبراهيم البغدادي

أربعون يوماً على رحيل عباس إبراهيم البغدادي

في حضرة عباس إبراهيم ينطق الألم، أتلعثم بالكلمات لدرجة التأتأة حين أناجيك غائباً، راحلاً، مسافرا بلا عودة. ودمعة طفرت حينما رددتُ مرغماً  وعلى مضض، ولم أستطع من حبك حروف الأسى تأبينا بمرور أربعين يوماً قاحلة لطريق موكب حضورك البهي، أوهمت سمعي ، فكذَّبته  في تصديق الرحيل مرتعباً من حجم الفراق، أقول عسى أن تسعفني معجزةٌ كونية أكذِّبُ بها سمعي ويطمئنَّ لها قلبي، فتعيدك الأقدار اللئيمة سهواً، ولتواسينا ولو لمرّةٍ واحدة، فتستيقظ  وتعود بعد أن تنفض  كابوس الموت عنك كما تنتفض العنقاء ، فتظلُّ كفة الأخلاق والنبل راجحةً في زمن تعلو فيها السفالة عنواناً وطنياً، أحاور نفسي لأرقب أيَّ معجزةٍ منحت خوارقها للأنبياء بأن تعيدك. لقد كنت على موعد للقائك، أرقب الساعات بانتظارك، تساءلت: أهكذا يفاجئنا هذا الزمن الملوَّث مع اعتلاء نداء المآذن فجراً للتجلي مع الله أن تستوقف نبض قلبك الذي ما زال فينا نابضاً؟ أفجعتني بترحالك فما عساي إلاّ أن أعلل النفس بنقيع من خواطر ذكراك في السماحة وحب الناس بلا عناوين، أتذكر مقولتك، بأنَّ الصداقة ومحبة الناس لا تحتاج إلى شروط بل لأشخاص تثق بهم وآخرين أوفياء للعهد، فما زلت بانتظار وجهك الطافح بالمحبة وبراءته الناصعة من الشك والظنون، أتصفح أيامك بدرر حواراتك المتبصرة بعقلانية إنسان معرفي مختزلاً فيها كل ما يحيط بنا من انحطاط في وجوديتنا، ويأس يجمعنا سويَّةً برفقة أحلامنا المهشَّمة على مر السنون، وغربة أقسى وجعاً من غربة المتغرِّب ِ. لا أنسى، ولطالما تبارزنا بهمومنا نتأسّى ونأخذ كأساً من إكسيرها فنطير والخيبات تلاحقنا لقتل تمنياتنا العليلة ونظل نبحث عن جرف ولكننا نحط على وحل مآسينا. تحدثني، فأصغي اليك فكراً، تحتويني عقلاً، تقطر الكلمات نزفاً من حزن ولدنا في قعره. تحدثني عن الخسارات التي نعمنا بها قسراً ولكنّي قبل ختام الحديث خسرتك يا أبا زيد. تحدثني عن سلطة الإجرام الدموي والإنساني وما لحق بنا من تهميش للعقل، وعن كل الخطايا والجرائم، وعن دعاة الحكمة، عن قضايانا المفلسة وآمالنا الوقحة التي لا تنصاع لخيبات الأمل المزروعة فينا، تحدثنا عن تصفية حساباتنا مع هذا العهر المدمر للإنسان، ولكنك أغلقت الحساب غفلةً ورحلت جزعاً من خطأ الحياة التي تسائلني دوما عنها: متى يبدأ العيش فيها. رحلت مستغنياً، قوياً، ما أضعفه جاه ولا مال، فكنت متجليا مع الحياة بسديد رؤاك الفكرية، متحلياً بحياتك قنوعاً، ومتخلياً لاستغنائك من أن تكون منافقاً، رحلت مؤمناً بأن جريمة الفكر هي الموت نفسه. رحلت وما كبَّلتك أصفاد الجاه المزيَّف، كنت حراً (زوربا) بعينه، حراً بأجنحة الفكر تحطَّ حيثما تشاء، ولكن مدرسة الحياة ما أنصفتنا، رحلت عقلاً معتزلي الرأي، ومن نسغ (إخوان الصفا) في عدم الإشهار بنفسك، تفرَّست في الأدب والثقافة وامتلكت عبقرياتها، حملت التواضع لا الضعة في إبراز مقامك. أبا زياد يا صديقي لقد ألهمتني الكثير وأنت تنبت في قلبي المحبة بإيمانك بأنَّ المحبة هي شفاء لجراح الحياة. رحلت والحياة فيك نابضةٌ، رغم سوئها كانت منعشة لتواصل عطاءك الثر لها وتخلد شرف معناها الذي استبيح في عصر شرعنة الموبقات، فرحلت مؤمناً بشرف الحياة، ومؤمنا بشرف الخصومة، مبتهلا في وجه الجميع بانشراح طلعتك، وثغر ابتساماتك، وهدوئك، وروية في حديثك. لو تعلم كم آلمني رحيلك، أقولها بحزنٍ مضنٍ، فكنت كما قال غسان كنفاني:

(تعجبني الأرواح الراقية التي تحترم ذاتها، وتحترم الغير، تتحدث بعمقٍ، تطلب بأدب، تمزح بذوق، تعتذر بصدقٍ، وترحل بهدوء (.

عزيزي الراحل عباس، لا بد أن الحق بك، وربما سنلتقي، فنحن رغم ألمنا، ومعاناتنا من هذا الكون غير المنصف، فنحن عشنا الجنة بعقولنا الناصعة الفكر وإرادتنا في العيش الكريم، ربما سنلتقي ولكن لا نعرف أين لقاؤنا، فقد أخبرني المفكر المتشائم (نيتشه)..) في الجنة كل الأشخاص المثيرين للاهتمام مفقودون).

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -spot_img

الأكثر شهرة

احدث التعليقات