تُعد زراعة البرتقال جزءًا لا يتجزأ من هوية محافظة ديالى، حيث كانت تعتبر من أبرز المحاصيل الزراعية التي تمثل عائدًا اقتصاديًا مهمًا للكثير من المزارعين في المنطقة. لكن هذه الزراعة تواجه اليوم تحديات كبيرة تهدد استمراريتها، أبرزها انتشار آفة بحر المتوسط التي ألحقَت أضرارًا واسعة ببساتين البرتقال في المحافظة، ما دفع المزارعين إلى حصاد المحصول قبل نضوجه تجنبًا للخسائر، وهو ما أثر سلبًا على جودة الإنتاج وقيمة العائد المادي للمزارعين.
آفة خطيرة
ذبابة فاكهة البحر الأبيض المتوسط (Ceratitis capitata) تُعد من أخطر الآفات التي تصيب الحمضيات، حيث تتكاثر بسرعة فائقة، وتبدأ الحشرات الكاملة بالتزاوج خلال 4-10 أيام من ظهورها. بعد التزاوج، تنجذب الإناث إلى الثمار ذات اللون الأصفر البرتقالي، وتضع بين 300-400 بيضة تحت القشرة أو داخل اللب. وتسبب هذه العملية ثقوبًا تسمح للبكتيريا والفطريات بالدخول، مما يؤدي إلى تغير لون الثمرة إلى الأصفر الباهت وتعفنها. كما تتغذى اليرقات على لب الثمار، تاركة مخلفاتها التي تجعل الجزء المصاب رخوًا وغير صالح للاستهلاك، مما يؤدي إلى تساقط الثمار وتلفها بالكامل.
وعلى الرغم من أن البرتقال يظل رمزًا زراعيًا رئيسيًا لمحافظة ديالى، إلا أن غياب الدعم الحكومي وضعف التخطيط الزراعي ساعدا في تفاقم معاناة المزارعين. ويضاف إلى ذلك الاعتماد الكبير على المنتجات المستوردة دون رقابة فعالة، وهو ما ساهم بشكل مباشر في انتشار هذه الآفات الزراعية.
غياب الدعم الحكومي
وفي هذا السياق، يقول المزارع أحمد السعدي، الذي يعمل في زراعة البرتقال في ديالى، إن غياب الدعم الحكومي في تقديم المعالجات الضرورية للآفات الزراعية يُعد من أبرز التحديات التي يواجهها الفلاحون، خاصة مع انتشار آفات مثل ذبابة الفاكهة التي تفتك بالمحاصيل.
وأضاف السعدي في حديثه لمراسل “طريق الشعب”: “لقد أجبرتنا هذه الآفات على حصاد البرتقال قبل موعده المناسب، مما تسبب في تراجع جودة المحصول وخسارة جزء كبير من العائد المادي، وهو ما قلب مواردنا الزراعية رأسًا على عقب”.
وتابع السعدي قائلاً: “المشكلة الأساسية تكمن في اعتماد العراق بشكل كبير على استيراد المنتجات الزراعية، حيث لا يتم الاهتمام الكافي بالمنتج المحلي الذي يتميز بجودته وقيمته الاقتصادية. إن هذا الأمر جعل المزارعين يعانون من قلة الدعم وضعف التخطيط الزراعي، وهو ما أثر بشكل مباشر على استدامة القطاع الزراعي في ديالى”.
وأشار السعدي إلى أن البرتقال يمثل رمزًا لمحافظة ديالى ويمثل جزءًا كبيرًا من هويتها الزراعية. وقال: “برتقال ديالى معروف بجودته العالية وارتباط اسمه بالمحافظة منذ عقود. لكن مع شح المياه، وتقليص الأراضي الزراعية، وانتشار الآفات دون حلول جذرية، أصبح الحفاظ على هذا المحصول أمرًا صعبًا جدًا”.
كما أضاف السعدي: “نحن كمزارعين نحاول بكل جهد مواجهة هذه التحديات باستخدام طرق ري حديثة، والمصائد الفرمونية، وأي حلول متاحة لتقليل الخسائر. لكننا بحاجة ماسة لدعم حكومي حقيقي يعزز من قدرة الزراعة المحلية وينقذ ما تبقى من إنتاجنا الوطني”.
حصاد قبل الموعد
وتشهد مناطق زراعة البرتقال في محافظة ديالى أزمة كبيرة بسبب انتشار آفة بحر المتوسط التي تسببت في خسائر فادحة للمزارعين. وعبّر رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في ديالى، رعد حاتم أحمد، عن معاناة الفلاحين في هذه المناطق قائلاً: “آفة بحر المتوسط دمرت تمامًا زراعة البرتقال. أصبح المزارعون مضطرين لحصاد الثمار سريعًا قبل أن تتضرر، لأن الثمار تتساقط وتفسد بمجرد تركها لبعض الوقت”.
وأوضح أحمد في حديثه لمراسل “طريق الشعب” أن الحكومة لم تقدّم أي دعم أو حلول لمعالجة هذه الآفة، رغم المناشدات المتكررة من المزارعين، حيث قال: “لقد طالبنا كثيرًا وكتبنا للحكومة، لكن لا توجد أي حلول حتى الآن. جميع المناطق التي تشتهر بزراعة البرتقال في ديالى متضررة، مثل منطقة صيدا وناحية العبارة”. وأضاف: “المشكلة تعود جزئيًا إلى الاستيراد غير المنظم، حيث أن هذه الحشرة تأتي إلينا بسبب المنتجات المستوردة دون رقابة فعالة أو معالجة مسبقة”.
وفي ظل استمرار هذه الأزمة، يواجه المزارعون في ديالى وضعًا مأساويًا نتيجة الأضرار التي لحقت بمحاصيل البرتقال، التي تُعد مصدر رزق أساسي للكثيرين منهم. ومع استمرار انتشار الآفة وغياب الدعم الحكومي، يبدو أن قطاع الزراعة في المحافظة مهددًا بشكل كبير.
حجم الانتاج
من جهته، أكد مدير إعلام زراعة ديالى، محمد المندلاوي، أن إنتاج الحمضيات في المحافظة، وخاصة البرتقال، شهد تحسنًا ملحوظًا هذا العام. وقال المندلاوي: “نتوقع أن يصل الإنتاج إلى أكثر من 70 ألف طن هذا العام، مقارنة بالعام الماضي الذي بلغ فيه الإنتاج 42 ألف طن”.
وأضاف المندلاوي لمراسل “طريق الشعب”: “عمليات المكافحة مستمرة رغم بعض التحديات، حيث تم استخدام المصائد الفرمونية في مكافحة ذبابة البحر الأبيض وذبابة الفاكهة، مما ساعد في تقليل الاعتماد على المواد الكيميائية”.
وتابع المندلاوي موضحًا أن محافظة ديالى أصبحت مكتفية ذاتيًا من محصول البرتقال، مع تصدير الفائض إلى المحافظات الشمالية والجنوبية، حيث يحظى برتقال ديالى بسمعة ممتازة.
وأضاف ان “هذه الطفرة الإنتاجية جاءت نتيجة لتحسن الوضع المائي، فضلاً عن متابعة كوادر مديرية الزراعة المستمرة مع الفلاحين”. كما أشار إلى أن المديرية قد قامت أيضًا بمكافحة سوسة النخيل، وتمكنت من السيطرة عليها بشكل جيد.
واختتم المندلاوي حديثه بدعوة الفلاحين إلى إبلاغ الشعب الزراعي في أقضية ونواحي المحافظة عند ملاحظتهم لأي أمراض تصيب محاصيلهم أو أشجارهم، لضمان التدخل السريع والحفاظ على الإنتاج الزراعي في المحافظة.
خطر متزايد
من جانب آخر، أوضح عضو مجلس محافظة ديالى، رعد مغامس التميمي، في حديث صحفي أن “معدلات انتشار الآفات الزراعية في المحافظة شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، خصوصًا بين الحمضيات التي تراجعت إنتاجيتها بشكل كبير”.
وأشار إلى “وجود شبهات حول نقل هذه الآفات إلى العراق بشكل متعمد، بهدف الإضرار بالإنتاج المحلي من الفواكه والخضار”.
وأضاف التميمي: “شهدت البيئة الزراعية العراقية خلال السنوات الأخيرة ظهور أكثر من 30 نوعًا من الآفات التي تصيب المزارع والبساتين بشكل مباشر، ما يشير إلى أن القطاع الزراعي بات مهددًا بشكل متزايد”.
وبين أن “حملات المكافحة غالبًا ما تكون غير فعّالة، بسبب مقاومة بعض هذه الآفات للمبيدات المستخدمة. ويُعزى انتشارها إلى فوضى الاستيراد الخارجي للمحاصيل والخضار، إضافة إلى غياب الفحوصات الدقيقة للمواد المستوردة والمبيدات”.
ودعا التميمي إلى “إعادة النظر في السياسات الزراعية، والعمل على حماية القطاع الزراعي في ديالى وجميع المحافظات العراقية من تهديدات الآفات والتراجع الإنتاجي”.