الإثنين, ديسمبر 23, 2024
spot_img
الرئيسيةمنوعاتلماذا تبدو تجربة الطيران أسوأ من ذي قبل؟

لماذا تبدو تجربة الطيران أسوأ من ذي قبل؟

لا شيء على متن طائرة يفوق أهمية استغلال المساحة، وذلك لأسباب حسابية، لو سبق أن قضيت ساعات محشوراً في مقعد أوسط، أو رضّ الراكب أمامك ركبتيك وهو يدفع مسند مقعده إلى الخلف كي ينعم بقسط من النوم، فأنت على الأرجح تدرك هذا الواقع جيداً.

إن كل شبر من مساحة مقصورة الطائرة محسوب بدقة لا تترك حيزاً للحركة، حتى أن السنتيمترات القليلة التي تفصل بين مقعدك ومجاوره، باتت أشبه بملكية مشتركة لك ولجارك، وغالباً ما يكون حق استخدام مسند الذراع لمن يميل لاستعداء الناس.

نظراً إلى كل ذلك، لا عجب أن كثيراً من الناس على استعداد لدفع مبالغ إضافية ليحظوا بالراحة في المقاعد، لكن حتى شركات الطيران نفسها تفاجأت بمدى إقبال الأميركيين على الدفع مقابل قدر من الرفاهية.




على مدى أكثر من عقد قبل جائحة كورونا، اختبرت شركات الطيران الأميركية فئات جديدة من المقاعد، بخلاف الدرجة الأولى والدرجة الاقتصادية، وتضمنت هذه الخيارات، على سبيل المثال، صفوفاً من المقاعد توفر مساحة أوسع للأرجل ووجبات خفيفة أفضل.

لكن لم تحظ هذه المقاعد المميزة برواج كبير بين الركاب في البداية. على سبيل المثال، في عام 2011، باعت شركة الطيران “دلتا” 14% فقط من مقاعد الدرجة الأولى. على الرغم من أن هذه النسبة سجلت ارتفاعاً تدريجياً عبر القطاع وصولاً إلى عام 2020، لكن معظم هذه المقاعد المميزة لم تكن تجني مدفوعات مالية، بل كانت تُمنح مقابل الأميال التي يجمعها الزبائن، أو تُخصص كترقيات لكثيري الأسفار الذين يبنون بمقتضى ذلك علاقات طيبة مع موظفي شركات الطيران.

إقبال على المقاعد المميزة

مع استئناف السفر السياحي بعد الوباء، ما عاد الأميركيون يعتمدون على الحظ فقط من أجل الحصول على مقاعد أفضل. بحلول 2023، أصبحت “دلتا” تبيع 75% من مقاعد الدرجة الأولى، في ارتفاع يحاكي الاتجاهات السائدة في السوق.

بيّن مركز “سي أي بي أي” للطيران أن حجم تذاكر السفر المميزة على الرحلات بين الوجهات الأكثر رواجاً في أميركا الشمالية زاد خلال الربع الأخير من 2023 بأكثر من 36% مقارنة بالفترة نفسها من 2019، على الرغم من أن إجمالي عدد التذاكر لكافة الفئات ظل على حاله.

لكن لا يمكن أن يستمر نمو كهذا إلى الأبد، مع أنه كان كافياً لدفع شركات الطيران إلى تسريع جهود اعتماد مقصورات أحدث أو زيادة صفوف المقاعد المميزة ضمن أساطيلها.

على سبيل المثال، تعمل “يونايتد إيرلاينز” (United Airlines)  على زيادة مقاعدها المميزة بنسبة 75% لكل رحلة في إطار برنامج أعلنته في 2021. وفي أكتوبر، كشفت “دلتا” عن خطة إعادة تصميم شامل لمقصوراتها خلال السنوات المقبلة. ولا تقتصر هذه التحسينات على زيادة عدد مقاعد الدرجة الأولى، بل تشمل مقصورات مميزة تضم نطاقات سعرية متعددة، تقدم مزيجاً مختلفاً قليلاً من المساحة والراحة والمزايا.

في غضون ذلك، تسعى شركات الطيران إلى زيادة جاذبية التذاكر المميزة الحالية، من خلال تقديم طعام ومشروبات أفضل، ورزم مستلزمات العناية الشخصية الفاخرة والجوارب والأخفاف.

لكن الحديث عن تحسين مستويات الراحة قد يبدو استفزازياً لركاب الدرجة الاقتصادية الذين يضطرون لدفع رسوم إضافية على خدمات كانت مجانيةً في ما مضى، يُضاف إلى ذلك تقلص مساحة المقاعد، واكتظاظ صناديق الأمتعة العلوية، وندرة أن يكون المقعد المجاور شاغراً. فهل أصبحت تجربة الطيران أفضل حقاً أم أنها تزداد سوءاً؟

تقسيم المقاعد إلى فئات

كانت شركة “ترانس وورد إيرلاينز” (TWA) أوّل من فرز المقاعد في عالم الطيران المعاصر، فكانت سبّاقة للاستفادة من التغيير التنظيمي الذي أتاح لشركات الطيران الأميركية فصل الركاب ضمن مقصورات متعددة، واعتمدت مقاعد من فئة مميزة لأول مرة في 1955.

حينذاك كان هنالك مجلس اتحادي يحدد أسعار التذاكر لمختلف شركات الطيران، وكان الركاب في شتى أقسام الطائرة يجلسون في مقاعد متشابهة، ويحظون بنفس المساحة.

وبما أن أسعار التذاكر كانت متساوية، تنافست شركات الطيران على المميزات التي تقدمها للمسافرين في رحلات العمل، وكانت نسبتهم آنذاك نحو نصف ركاب الطيران التجاري.

حتى أن شركة طيران “بان آم” (Pan Am) اشتهرت بوجود طاولات لتقديم اللحوم وصالات كوكتيل على متن طائرات الرحلات الطويلة. ومع تحرير قطاع السفر في 1979، تم تثبيت تقسيم فئات المقاعد بين درجة أولى ودرجة اقتصادية لدى كافة شركات الطيران.

لكن ما إن سُمح لشركات الطيران بالتنافس على الأسعار، حتى بدأت الميزات والمقاعد الواسعة تختفي. واليوم، تقلصت المسافة بين ظهري مقعدين في رتل واحد بواقع سبعة إلى عشرة سنتيمترات. 

مع دخول شركات طيران جديدة إلى السوق، منها شركات محلية لم تعمّر طويلاً، مثل “إير فيرمونت” (Air Vermont) و”جولدن جايت إيرلاين” (Golden Gate Airlines)، انخفضت الأسعار، فيما راحت شركات الطيران تبحث عن طرق كي تملأ الطائرات بمزيد من الركاب من أجل الحفاظ على إيراداتها وتلبية الطلب.

وطالما كانت أسعار التذاكر مقبولة، يمكن جذب الركاب الجدد من دون حاجةٍ إلى كثير من وسائل الراحة، فبكل الأحوال، السفر من كليفلاند إلى ميرتل بيتش في جنوب كارولاينا، خيار أفضل من قيادة سيارة بينهما.

مع ذلك، ظل مسافرو رحلات العمل يشكلون الجزء الأكبر من الركاب، وهم أهم لدى شركات الطيران من فتاة تسافر لقضاء العطلة مع صديقاتها في ميامي على سبيل المثال. للحفاظ على هذه الفئة من الركاب في ظل المنافسة مع شركات أخرى، ابتكرت شركات الطيران برامج الوفاء والمكافآت، وكان أبرزها الأميال المجانية لكثيري الأسفار، وحين كانت المقاعد المميزة تُباع لقاء المال فقط، كان المسافرون في رحلات العمل أكثر من يشتريها.

تحولات ما بعد الجائحة

هذا لا يعني أن المسافرين الآخرين لا يرغبون بهذه المقاعد، إلا أن شركات الطيران هي التي كانت مترددة، ولا تدرك حجم سوق السفر السياحي، ولا كيفية جذب أولئك المسافرين. قال جاري ليف، الخبير في القطاع ومالك موقع “فيو فروم ذا وينج” (View From the Wing)، إنه حتى قبل فترة قصيرة، لم يكن من يحجزون تذاكرهم للسفر السياحي يتلقون أي عرض لترقية مقاعدهم. وأضاف: “لم يُسوق لهذا جيداً في السابق”.

لكن المسافرين الذين كانت تعوّل عليهم شركات الطيران تلاشوا فجأةً مع تحول المؤتمرات والاجتماعات وزيارات العملاء إلى منصات مثل “زوم” في 2020، واضطرت شركات الطيران إلى خفض أسعار التذاكر وابتكار استراتيجيات جديدة لجذب الركاب إلى مقاعد الدرجات المميزة في مقدمة الطائرة.

أظهرت بيانات الاتحاد الدولي للنقل الجوي أن ركاب هذه المقاعد عادةً ما يشكلون 3% فقط من إجمالي المسافرين، لكنهم يسهمون بنسبة 15% من إيرادات الركاب. في ظل تراجع الإيرادات، بدا أن خفض أسعار هذه التذاكر إلى النصف أو أكثر أفضل لاستقطاب المسافرين الذين يجرّبون ترقيات المقاعد لأول مرة، بدلاً من تركهم يعتادون مقاعد الدرجة الاقتصادية.

اليوم، بعدما اختبر كثير من الركاب تجربة السفر الفاخرة، إذ أفادت “دلتا” أن هذه الفئة باتت تضم نساءً وشباباً أكثر مقارنةً مع ما قبل الجائحة، استمر كثير منهم بالإقبال على التذاكر المميزة حتى مع انقضاء زمن الخصومات. في غضون ذلك، جمعت شركات الطيران كماً هائلاً من البيانات حول العروض والمزايا والأسعار التي تدفع الركاب إلى ترقية مقاعدهم.

وجدت شركات عدة أن أنجح طريقة هي الترويج الحثيث لفئات مقاعد “شبه مميزة” تقدم تجربة محسنة بتكاليف معقولة. على سبيل المثال، بدل محاولة بيع تذكرة درجة أولى بسعر 700 دولار، يمكن جذب ركاب الدرجة الاقتصادية الذين يدفعون 250 دولاراً للتذكرة من خلال ترقية المقعد مقابل 100 دولار إضافية فقط، فيمنحهم ذلك مساحة إضافية للأرجل ومشروباً مجانياً وخدمة شحن الأمتعة مجاناً.

المقاعد المميزة مصدر للإيرادات

على مدى العقد الماضي، ركزت شركات الطيران جهودها على جذب ملايين المسافرين الميسورين عبر بطاقات ائتمان مدرّة للربح تصدرها شركات البطاقات بالشراكة مع شركة طيران، وساعد هذا على تغيير في حسابات شراء التذكرة على الصعيد النفسي إلى حدّ ما على الأقل.

فالدفع مقابل ترقية المقعد يضمن تجربة سفر أفضل، بالإضافة إلى منح المسافر أميالاً إضافية يمكنه استخدامها لاحقاً للحصول على تذاكر مجانية أو الترقّية في برامج المكافآت، ما يزيد من فرص استفادته من ترقيات للمقاعد لاحقاً.

مع تزايد الإقبال على المقاعد المميزة، بدأت الأعداد المتاحة للتوزيع المجاني تتناقص. ومع ذلك، لا يبدو أن هذا ينفر المسافرين، أو أنه دافع كافٍ لهم لتغيير شركات طيرانهم المفضلة، وهو أمر ازداد صعوبةً في ظل كثرة الاندماجات بين شركات القطاع. 

تبين أن كسب ولاء العملاء لا يتطلب إغراقهم بالترقيات المجانية؛ بل يمكن ببساطة إقناعهم بالدفع فيفعلون ذلك عن طيب خاطر إن شعروا بأنهم يحصلون على ما يجزي مقابل أموالهم، وهنا تبرز الامتيازات مثل المشروبات المجانية غير المحدودة، والمقاعد التي تتحول إلى أسرّة مسطحة.

أشار ليف إلى أنه في ظل الارتفاع الكبير في تكاليف التشغيل، مثل الوقود والعمالة، تواجه شركات الطيران ضغوطاً متنامية لزيادة إيراداتها وتعزيز هوامش الربح. وغالباً ما تكون المقاعد المميزة في مقدمة الطائرة مصدر هذه الإيرادات. أضاف أن بعض شركات الطيران تسعى إلى “عدم تقديم أي ترقية إلى مقاعد الدرجة الأولى على الرحلات المحلية”.

تدهور تجربة السفر بالدرجة الاقتصادية

لاحظتم على الأرجح أنه فيما أضافت شركات الطيران مقاعد أكبر في مقدمة الطائرة، تدهورت الأوضاع في الخلف، بالأخص مقارنة مع الحال قبل عقد أو عقدين.

يعيدنا ذلك إلى شركات الطيران التي تقدم خدمات متكاملة أو باتت تفرض رسوماً إضافية على مسافري الدرجة الاقتصادية لقاء كثير من وسائل راحة كان يشملها السعر في ما مضى.

في حين قد يبدو أن المقاعد المميزة مسؤولة عن التدهور الذي يقع في مؤخرة الطائرة، لكن الواقع ليس كذلك تماماً، كما قال جوزيف نونيس، أستاذ التسويق في كلية مارشال لإدارة الأعمال في جنوب كاليفورنيا الذي عمل استشارياً لصالح عدة شركات طيران حول برامج الولاء.

إن هذه التغييرات هي وجهان لعملة واحدة. فالمقاعد الأفضل والأسوأ (وما بينهما من مقاعد اقتصادية مميزة أو محسّنة) كلها ثمرة زيادة كفاءة شركات الطيران في تسويق مقاعد رحلاتها وتقاضي المال عن كل ما قد يقبل الركاب بدفع ثمنه.

تاريخياً، لم يتسم عمل شركات الطيران بالكفاءة على هذا الصعيد، فغالباً ما كان المسافر في الدرجة الاقتصادية يشتري تذكرة لمقعد ليجد أنه يحصل على آخر مجاناً، لأن شركات الطيران كانت تواجه صعوبة في بيع المقاعد الوسطى. قال نونيس: “ما عاد هذا الأمر يحدث”، أو أن حدوثه نادر، إذا باتت شركات الطيران تجيد استخدام البيانات لتعديل السعة حين يتراجع الطلب، ولإقناع الركاب بشراء المقاعد السيئة.

 اكتشفت شركات الطيران التقليدية، أن نجاح شركات الطيران منخفضة الأسعار مثل “سبيريت إيرلاينز” (Spirit Airlines) و”فرونتير إيرلاينز” (Frontier Airlines) يدل إلى وجود سوق واسعة للتذاكر منخفضة السعر التي تقدم مقاعد ضيقة وحدّاً أدنى من الخدمات، فسعت لحصة من هذه السوق أيضاً.

حاولت بعض الشركات دخول المنافسة عبر تشغيل شركات طيران منخفضة الأسعار تابعة لها، لكن سرعان ما اتضح لها أن لوجستيات ذلك بالغة التعقيد، لذا فضّلت التعامل مع المقاعد في مؤخرة الطائرة، كما لو أنها بحد ذاتها شركة منخفضة الأسعار.

لهذه الغاية، تبنّت شركات الطيران التقليدية نهجاً مشابهاً لما تعتمده شركات الطيران منخفضة السعر، عبر “تفكيك” أسعار التذاكر. أي أنها باتت تفرض رسوماً منفصلة عن كل خدمة إضافية تقدمها للمسافر، بخلاف صعوده إلى الطائرة.

وقد ظهرت فئة جديدة من التذاكر تحت مسمى “الاقتصادية المجردة”، وهي أقل شأناً من التذاكر الاقتصادية التقليدية، رغم أن حامليها يجلسون في نفس المقصورة.

سعر إضافي عن كل خدمة

على سبيل المثال، إذا كنت ترغب بشحن حقيبتك أو تعديل حجزك أو اختيار مقعدك مسبقاً أو الجلوس بجانب النافذة أو الممر أو أن يجلس طفلك بجوارك، فسيتوجب عليك دفع مبالغ إضافية، إما كرسوم منفصلة أو عبر شراء تذكرة أغلى.

وقد ذهبت “يونايتد” إلى ما هو أبعد في تقليد شركات الطيران منخفضة الأسعار من خلال فرض رسوم على الأمتعة المحمولة لركاب هذه الفئة من التذاكر.

حققت هذه الاستراتيجية نجاحاً اقتصادياً لافتاً لشركات الطيران، إذ تمكنت من جذب عملاء الشركات منخفضة الأسعار، ووجدت طريقة لاستغلال المقاعد التي كانت تبقى شاغرة في السابق. إلى جانب الإيرادات التي تدرّها الرسوم الإضافية، فهي تجلب فوائد أخرى أيضاً لشركات الطيران، إذ تؤثّر على سلوك الركاب بما يخدم مصالحها.

عندما يقل عدد المسافرين الذين يصطحبون حقائب، تُتاح مساحة أكبر في بطن الطائرة يمكن استغلالها لشحن البضائع. في المقابل، إذا زادت نسبة الركاب الذين يحملون أمتعة يد داخل المقصورة، تزدحم الخزائن العلوية، ما يدفع الركاب الحريصين على تقليل التكاليف إلى حشر متعلقاتهم في حقيبة ظهر صغيرة.

كما بدأت بعض شركات الطيران تزيد رسوم الأمتعة كلما اقترب موعد الرحلة، ما يدفع الركاب إلى اتخاذ قرارات مبكرة حول طريقة حزم أمتعتهم، ما يسهّل على شركة الطيران إعداد خططها اللوجستية.

أما إن كنت قد سئمت من دفع رسوم إضافية مقابل كل خدمة، فهنالك حل آخر، إذ يمكنك الاشتراك في بطاقة ائتمانية من شركة الطيران، تتوفر أغلبها مقابل رسم سنوي، لتعفيك من رسوم الحقائب وتمنحك خيارات مقاعد مميزة دون تكلفة إضافية على كل رحلة.

وإن كنت محبطاً جراء هذه التغيرات، فالسبب بسيط: شركات الطيران تعتمد على تعقيد خيارات وتسهيل أخرى لتوجيه سلوك المسافر بما يخدم مصالحها. فالتخلي عن نموذجها القديم، الذي كان حده الأدنى تجربة سفر متوسطة المستوى، استوجب بعض التغييرات.

منافسة الشركات منخفضة السعر

قال نونيس إنه من أجل منافسة شركات الطيران منخفضة الأسعار على نفس شريحة الركاب، كان لا بد من تقديم خيار عدم دفع ثمن بعض الخدمات، ولكن ركاب الدرجة الاقتصادية أدركوا للأسف أنهم باتوا يدفعون رسوماً إضافية عن خدمات كانت تدخل في السابق ضمن سعر التذكرة. يمكن للركاب استحضار تلك التجربة متوسطة المستوى مقابل مبالغ أكبر مما يدفعه ركاب آخرون يجلسون بجواره.

أشار نونيس إلى مفهوم اقتصادي مفاده أنه “لتحقيق أقصى قدر من الأرباح، يجب على الشركات أن تتجه إلى ما يُعرف بالتمييز السعري المثالي، بحيث يُحدد السعر لكل زبون بناءً على أقصى مبلغ يقبل بدفعه”. رغم أن شركات الطيران لم تصبح مثاليةً في اعتماد هذا المفهوم، إلا أنها اقتربت من ذلك كثيراً. 

قال رامان رام، رئيس قسم الطيران في شركة “إيرنست ويونج” في الأميركتين، إن الجمع بين الفئات الأعلى والأدنى من تذاكر الطيران على متن الطائرة نفسها جلب نجاحاً كبيراً لشركات الطيران الكبرى، التي حققت أرباحاً أكبر في السنوات الأخيرة مقارنة بمنافساتها من شركات الطيران منخفضة الأسعار التي تواجه تحديات مالية.

يوضح رام أن “الجزء الأمامي من الطائرة يدعم بشكل كبير الجزء الخلفي منها”. وعلى الرغم من أن نظام التسعير التفصيلي للخدمات قد يجعل تذكرة السفر تبدو أغلى، إلا أن متوسط أسعار التذاكر انخفض عموماً منذ فصل رسوم الأمتعة عن سعر التذكرة في 2008، بحسب بيانات مكتب إحصاءات النقل.

إجراءات تمتد إلى القطاعات الأخرى

نونيس أشار إلى أن الجانب السلبي لهذه الممارسات التسعيرية المصممة بعناية هو أنها تصعّب على الركاب مقارنة الأسعار بين شركات الطيران. أضاف: “إن إحدى الاستراتيجيات التي تُدرّس في كليات الأعمال هي كيفية تصعيب مقارنة الأسعار”.

هذا الغموض في التسعير يكبح قدرة الركاب على مقاومة الممارسات التي قد تضر مصالحهم. مع تزايد اندماجات شركات الطيران، التي مكّنت “أميركان” و”دلتا” و”ساوثويست” و”يونايتد” من الهيمنة على نحو 80% من حركة السفر الجوي في الولايات المتحدة، بدأت طريقة استغلال هذه الشركات لنفوذها تثير حفيظة المسافرين والهيئات الناظمة على حد سواء.

وفي الآونة الأخيرة، أعلنت وزارة النقل عن تحقيق بشأن تقليص شركات الطيران لعدد نقاط ومكافآت برامج الولاء بمرور الوقت.

عندما تبتكر شركات الطيران طرقاً جديدة لتحصيل الأموال من المزيد من زبائنها، سرعان ما تحذو حذوها قطاعات أخرى، وإن لم يكن ذلك هذا فوراً فسيأتي لاحقاً. كان هذا ما حدث في حالة برامج الولاء ونقاط المكافآت، التي أصبحت الآن موجودةً في مختلف المجالات الاستهلاكية.

أشار جوزيف نونيس إلى أن “شركات الطيران تقدم لمحة عمّا ينتظرنا في المستقبل بالنسبة لكثير من المنتجات، إذ سيُطلب من الناس دفع أسعار تُحدد بناءً على احتياجاتهم الشخصية… إن نظام تفصيل التسعير فيه رابحون وخاسرون، وسيشعر كثير ممن كانت حالهم حسنة من قبل بأنهم باتوا خاسرين لأنهم لن يحصلوا إلا على ما سيدفعون ثمنه”.

هذا المحتوى من “اقتصاد الشرق مع بلومبرغ

Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -spot_img

الأكثر شهرة

احدث التعليقات