السبت, نوفمبر 1, 2025
spot_img
الرئيسيةاخبارتكنولوجياوزير الاتصالات اللبناني: لبنان لم يعد في طليعة الدول رقمياً

وزير الاتصالات اللبناني: لبنان لم يعد في طليعة الدول رقمياً

لم يكن لبنان يوماً بعيداً من روح العصر، بل كان إلى ما قبل عقد واحد، في طليعة الدول العربية التي سبقت إلى الثورة الرقمية، من الهاتف الخليوي في التسعينيات إلى الإنترنت الواسع مطلع الألفية. إلا أن هذا التقدم تلاشى تدريجاً مع تراكم الأزمات، من الانهيار المالي إلى الشلل السياسي، فالحروب الإقليمية التي شلت الاستثمار وأخرت المشاريع.

هكذا تحول لبنان من بلد يضرب به المثل في التقدم التكنولوجي إلى بلد يحتل المراتب المتدنية في المؤشرات الرقمية، متأخراً عن جيرانه الذين كانوا يوماً يستلهمون تجربته.

لكن وسط هذا المشهد القاتم، بدأت الحكومة الحالية تتخذ سلسلة من الخطوات التي تهدف إلى إعادة لبنان للخريطة الرقمية واستعادة الثقة بقطاع كان من أبرز موارد الدولة.

وفي هذا الإطار، أطلق وزير الاتصالات شارل حاج خطة ثلاثية الأعوام تعد الأولى من نوعها منذ عقود، إذ تضم إصلاحات بنيوية غير مسبوقة تشمل تفعيل الهيئة الناظمة للاتصالات وإنشاء شركة “ليبانون تيليكوم” الرسمية بالشراكة مع القطاع الخاص.

وللوقوف عند أبرز تحديات هذا القطاع والمشاريع قيد الدراسة ومستقبله، أجرت “إندبندنت عربية” مقابلة خاصة مع وزير الاتصالات اللبناني شارل حاج.

لبنان متأخر رقمياً

إلى متى سيبقى اللبناني ينتظر خدمة إنترنت ثابتة وسريعة وسعراً عادلاً، وهل سيشعر الطالب الذي يتعلم عن بعد، أو الطبيب في العيادة الريفية، أو صاحب المشروع الصغير، أخيراً بالفرق؟ وهل ستتحول الاتصالات من مصدر معاناة إلى وسيلة راحة وإنتاج؟

نبدأ حديثنا مع الوزير بجملة أسئلة تكاد لا تنتهي، فيجيب أن الهواجس الموجودة في هذه الأسئلة هي جوهر خطة 2030 لإصلاح قطاع الاتصالات، ضمن خطة تمتد على ثلاثة أعوام، وتركز على الإنسان قبل البنية وعلى الخدمة قبل الأرقام، خصوصاً أن هذه الخطة تأتي بعد سنوات من الانقطاع وضعف الشبكات، فيما تنطلق اليوم مرحلة جديدة تقوم على الحوكمة المستقلة وتوسيع البنية التحتية وإشراك القطاع الخاص في الاستثمار، في محاولة لإعادة الثقة بقطاع حيوي يعد من أبرز موارد الدولة وأكثر قطاع يؤثر في النمو بصورة عامة.

ويقول حاج “لبنان لم يعد في طليعة الدول رقمياً، بل تأخر كثيراً خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، والأسباب واضحة ومتداخلة، من جائحة كورونا التي أوقفت العمل الميداني والانهيار المالي الذي أوقف الاستثمار، إلى حال الحرب الأخيرة قبل سنتين التي جعلت القطاع يعيش على الحد الأدنى”.

ويتابع أن أكثر من 50% من شبكة الخليوي في لبنان انتهت صلاحيتها التقنية، والنصف الآخر بالكاد يعمل، مما يعني أن البلاد تواجه خطر الانقطاع الشامل إذا لم تبدأ عملية التحديث سريعاً.

لكن المشكلة، برأيه، ليست تقنية فقط، بل ذهنية أيضاً، فالدولة تعاملت مع الاتصالات لعقود بوصفها مصدراً للجباية، لا قطاعاً استراتيجياً يحتاج إلى استثمار متواصل، وهذه النظرة المالية الضيقة جعلت الخزانة تستنزف القطاع بدلاً من أن تعيد استثماره في التطوير.

ويشرح حاج أن كل دولار يستثمر في الاتصالات يعود بعشرات الدولارات عبر النمو الاقتصادي، لأن الاتصال هو عصب الإنتاج والتعليم والخدمات. لذلك، صاغ خطة ثلاثية الأعوام لإعادة بناء هذا القطاع على أسس دائمة ومستقرة.

ثلاث ركائز أساسية

يكشف حاج عن أن خطته تقوم على ثلاث ركائز مترابطة، هي أولاً الحوكمة والهيئة الناظمة، وفي هذا السياق أعلن أن الهيئة الناظمة للاتصالات التي كانت معطلة لأعوام أصبحت اليوم قائمة وتعمل، وسيفعّل دورها تدريجاً لتتحول إلى المرجع الأساس الذي يراقب السوق، ويحمي المستهلك ويضمن جودة الخدمة، مؤكداً أن وجود هذه الهيئة يعني نقل الصلاحيات من يد الوزير إلى مؤسسة دائمة تعمل بمعايير الشفافية والرقابة، ويقول “الوزير ليس مشغلاً، بل واضع سياسات. وعلينا أن نتحول من وزارة اتصالات بالمعنى التقليدي إلى وزارة للتحول الرقمي”.

أما الركيزة الثاني فهي تطبيق القانون 431 القاضي بإنشاء شركة “ليبان تيليكوم” LIBAN TELECOM عبر دمج هيئة “أوجيرو” للاتصالات ووزارة الاتصالات في كيان واحد يدار عبر مجلس إدارة مستقل.

ووفقاً لحاج، فإن هذه الشركة ستفتح لاحقاً أمام شريك استراتيجي يملك حتى 40% من رأسمالها، على أن يكون الهدف تحويل لبنان إلى “مركز رقمي” Digital Hub  في الشرق الأوسط، عبر إنشاء مراكز بيانات وطنية وسحابة لبنانية وتوسيع مسارات الألياف البحرية التي تربط لبنان بسوريا والأردن والخليج.

وبهذا الدمج، تنفصل السياسة عن التشغيل، وتبنى مؤسسة قادرة على العمل حتى لو تغير الوزراء أو الحكومات.

وفي الركيزة الثالثة التقنية، يكشف حاج عن إطلاق دفتر شروط لتوسيع شبكة الألياف الضوئية إلى أكثر من 300 ألف منزل خلال عام إلى عام ونصف، فيستطيع المواطن طلب الـ”فايبر” في أكثر من 25 منطقة لبنانية. أما حالياً، فلا يتعدى عدد السنترالات المجهزة بالـ”فايبر” 10، والهدف رفعها إلى 35 سنترالاً خلال ثلاثة أعوام.

وسيسمح للقطاع الخاص بالمشاركة في التمديد والاستثمار وفق آليات ترخيص شفافة تشرف عليها الهيئة الناظمة، إذ يمكن للمستثمرين بيع الخدمة على شبكة الدولة نفسها، وعلى هذا النحو تتحول “أوجيرو” إلى منصة مفتوحة تسمح بالمنافسة العادلة وبتحسين الأسعار والجودة، يقول حاج.

كلفة الإنترنت وجودة الخدمة

يقر وزير الاتصالات بأن كلفة الإنترنت في لبنان لا تزال عالية نسبة إلى الجودة، فالمستخدم يدفع نحو 15 إلى 20 دولاراً شهرياً مقابل خدمة متوسطة، في حين يمكن خفض الكلفة وتحسين السرعة مع توسيع السعات.

ويضيف أن “أوجيرو” تقدم حالياً حزم إنترنت عالية السرعة كلفتها نحو مليوني ليرة شهرياً، وتتوافر خدمة الـ”فايبر”، وهي أسعار منافسة إقليمياً، أما الهدف البعيد فهو الانتقال من 40 ألف مشترك “فايبر” فاعل اليوم إلى أكثر من نصف مليون مشترك خلال ثلاثة إلى أربعة أعوام.

وعلى صعيد الشبكات الخليوية، يوضح حاج أن الخطة تقضي بتقوية شبكات الجيل الرابع وبدء العمل على إطلاق الجيل الخامس خلال ثلاثة أعوام.

ولأن الدولة وحدها غير قادرة على التمويل، ستُعتمد صيغة الشراكة مع القطاع الخاص (PPP) أو عقود إدارة مع شركات دولية متخصصة تملك خبرة في الخدمات الرقمية والأنظمة المالية الحديثة.

دخول شركة “ستارلينك”

ومن القضايا التي أثارت جدلاً واسعاً أخيراً في لبنان ملف الأقمار الاصطناعية، خصوصاً دخول شركة “ستارلينك” إلى السوق اللبنانية، وبالنسبة إلى هذا الملف يؤكد حاج أن هذه الخدمة ستخصص للشركات فقط ولن تفتح للأفراد، لتجنب منافسة الدولة في التجزئة. وقد حدد سعر الاشتراك الأقصى بـ 100 دولار شهرياً للشركة، مع تأكيد أن كل شركة تعمل في لبنان ستدفع للدولة 25% من الفاتورة، فضلاً عن 11% ضريبة قيمة مضافة زائد ضريبة دخل.

ويقول “بهذا يكون لبنان أول دولة في المنطقة تستفيد من خدمة هذه الشركة ضمن اتفاق مالي يضمن مردوداً واضحاً للخزانة”.

أما من الناحية الأمنية والمخاوف التي طرحها بعضهم، فيشير حاج إلى أن كل المطالب التي كانت الأجهزة الأمنية رفعتها ورفضت سابقاً أصبحت مستجابة بالكامل اليوم، مما أزال التحفظات السابقة.

ويقدر بأن السعة المخصصة للبنان ستبلغ نحو 14 جيجابايت في الثانية، وهي مخصصة لدعم نحو 200 إلى 300 شركة دولية عاملة في لبنان، تضم أكثر من 20 ألف موظف، وتولد مداخيل تصل إلى 1.5 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل ربع الناتج المحلي تقريباً، مؤكداً أنه لا بد من تأمين إنترنت دائم ومستقر لهؤلاء لأن أي انقطاع يضر بثقة المستثمرين وبالاقتصاد بأسره.

الإنترنت غير الشرعي

ولا يتجاهل حاج ملف الشبكات غير الشرعية التي تغطي أكثر من مليون مشترك، مقابل نحو 400 ألف فقط على شبكة “أوجيرو”، ويصف الظاهرة بأنها “نتيجة غياب الدولة لا عصيان الناس”، مشبهاً إياها بموزعي الكهرباء غير الشرعيين الذين ملأوا الفراغ.

ويشرح أن الخطة لمعالجة هذه المشكلة ستكون على مرحلتين، لكنها ترتكز على ثلاثة مبادئ، وهي أولاً لا قطع خدمة للمواطنين؛ لأنهم ليسوا الجناة، وثانياً لا زيادة على الأسعار عند الانتقال إلى الخدمة الشرعية، وثالثاً تنظيم السوق وإدخال الإيرادات إلى الدولة من دون أعباء إضافية.

والمرحلة الأولى التي تبدأ قبل نهاية العام الحالي، تقضي بمنع نقل الخدمة بين المناطق عبر وصلات غير شرعية بمساعدة القوى الأمنية، ما دام أن هناك بدائل قانونية متاحة، أما المرحلة الثانية فتشمل تطبيق المرسوم 9458 لضبط التوزيع المحلي، بالتوازي مع تطوير منصة “إعرف عميلك” المعروفة عالمياً QYC لمعرفة أماكن المشتركين لأسباب أمنية وتنظيمية.

ويؤكد حاج أن الهدف ليس العقاب، بل توفير بدائل قانونية كشبكات “فايبر” جديدة لأن المواطن يجب أن يشعر بأن الدولة تعطيه خياراً أفضل، لا أن تسلبه ما تعود عليه. 

الأمن السيبراني

وضمن مقاربة حاج، فإن الأمن السيبراني لا يقل أهمية عن البنية التحتية، إذ إن لبنان، كما يقول، مكشوف رقمياً لأن 92% من اتصالاته تمر عبر تطبيق “واتساب”، فيما على كل هاتف أكثر من 32 تطبيقاً نشطاً تجمع بيانات المستخدمين.

ويكشف عن أن الوزارة تعمل بالتنسيق مع مجلس الوزراء على إعداد خطة وطنية للأمن السيبراني لحماية البيانات العامة، فيما تقع على الأفراد والمؤسسات مسؤولية رفع وعيهم وحماية أجهزتهم وشبكاتهم.

أما الحرب الحديثة، كما يصفها، فهي ليست فقط صواريخ وطائرات، بل أيضاً حرب بيانات ومعلومات.

بين الاتصالات والنمو الاقتصادي المباشر

ويربط حاج بين التوسع في شبكة اتصال عالية السرعة التي تعرف بـ”برودباند” والنمو الاقتصادي المباشر، مستشهداً بمعادلة عالمية تقول إن كل زيادة 10% في انتشار الإنترنت السريع ترفع الناتج المحلي بنسبة 1.3%، وعليه فإن الانتقال من 40 ألف مشترك “فايبر” إلى نصف مليون خلال ثلاثة أعوام قد يشكل دفعة نمو لا تقل عن 6 إلى 7% في الاقتصاد، خصوصاً في قطاعات التعليم والتجارة الإلكترونية والخدمات الرقمية.

ويرى أن الاتصالات ليست قطاعاً منفصلاً عن الاقتصاد، بل هي “شريان الإنتاج” الذي يربط الدولة بالقطاع الخاص والمواطن بالخدمات، والجامعة بسوق العمل.

ولأن الحكومة الحالية أمامها أقل من عام، سئل حاج عن الضمانات لاستمرار خطته بعد رحيله، فأجاب أن كل المشاريع الجديدة مرتبطة بعقود تمتد لسنتين وثلاث سنوات بعد عام 2026، مما يضمن استمراريتها قانونياً وإدارياً.

وبرأيه فإن الضمانة الأولى هي الهيئة الناظمة، والثانية شركة “ليبان تيليكوم” التي ستدار من مجلس إدارة وشريك استراتيجي لا يتغير بتغير الوزراء، ويقول “هكذا يحمى القطاع من التقلبات السياسية التي كانت السبب الرئيس في فشل الخطط السابقة”.

استقرار الدولة شرط للاستثمار

ولا يفصل حاج بين التنمية التقنية والاستقرار السياسي، ويقول بوضوح “من دون استقرار سياسي لا يمكن لأي استثمار أن يصمد”، فيما قرار الحكومة هو عدم الذهاب إلى الحرب، وأن السلاح يجب أن يكون حصرياً بيد الدولة لأن لا دولة قادرة على النهوض إن وجد سلاح خارج مؤسساتها.

ويشير إلى أن المسار الواقعي للوصول إلى الاستقرار يمر عبر مفاوضات غير مباشرة بضمانة الولايات المتحدة تؤدي إلى هدنة ثم سلام ضمن الإطار العربي، مؤكداً أن “السلام ليس استسلاماً ولا خيانة”.

وفيما شدد على ضرورة إعادة إعمار القرى المتضررة لأن التنمية هي الوجه الآخر للأمن، كشف عن أن الجيش اللبناني يقوم بعمل جيد جنوب الليطاني في احتواء السلاح ومنع نقله أو استخدامه، وأن أي خرق سيعد مواجهة مباشرة مع الدولة والجيش، مما أعطى إشارات اطمئنان للخارج.

وفي الملف الداخلي، يتخذ حاج موقفاً واضحاً من الاستحقاقات الانتخابية، إذ يؤكد أن الانتخابات النيابية يجب أن تجرى في موعدها لأن الديمقراطية “تصحح نفسها بالاقتراع لا بالتأجيل”.

ويقول إن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يؤيدان اقتراع المغتربين في دوائرهم الأصلية داخل لبنان، وهو بدوره يدعم هذا التوجه شرط ألا يستخدم كذريعة لتأجيل الانتخابات.

ويعبر عن أمله في أن يشهد لبنان استحقاقين انتخابيين في الأقل قبل عام 2030؛ لأن انتظام المواعيد الدستورية هو المدخل الحقيقي إلى الاستقرار السياسي.

لبنان على المسار.. والمواطن أولاً

وفي ختام حديثه، يشدد حاج على أن التحول الرقمي ليس مشروع وزارة، بل مشروع وطن، وأن المواطن يجب أن يكون المستفيد الأول من كل إصلاح.

وإذ يقول إن الأزمات ربما لن تحل بين ليلة وضحاها، لكن المسار تغير من الفوضى إلى التنظيم، ومن الاحتكار إلى الشراكة، ومن الانقطاع إلى التواصل، يشدد على أنه “إذا التزمت الدولة تنفيذ الخطة كما وضعت، فسيعود لبنان خلال أعوام قليلة لمكانه الطبيعي، بلد متصل بالعالم، تدار خدماته بكفاءة، ويشعر فيه كل مواطن بأن الإنترنت والاتصالات جزء من حقه اليومي لا من ترف مفقود”.

هذا المحتوى من “إندبندنت عربية

Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -spot_img

الأكثر شهرة

احدث التعليقات