عبد الحليم حافظ ..وعبد الحميد السوز
قصة : علي حداد
كتبتها في ذكرى وفاة الفنان عبد الحليم …الى روحه وارواح محبيه اهدي هذه القصة…..والى الطائر الحزين عوض دوخي والطائر الجميل الصحفي المخضرم محمد السيد محسن والفنان محمد جواد اموري والى روح الشاعر واجمل شهيد واشجعهم ونحن نودعه الى المستشفي نظر الينا نحن الستة من الهياكل البشرية مبتسما
< اتدرون ان هذا اجمل تشييع يشهده كائن حي || >
الكلمة : الطرب.. واحدة من المواهب ..التي ترقص
الروح على انغامها..
على سريرين متلاصقين كنا نجلس مثل حلقة صغيرة
نستمع فيها الى الشاعر الكبير في كل شىء ..عدنان عبدالحميد السوز.. كان رجلا ضخما وكبيرا في حبه وابتساماته الخجولة التي يستقبلنا بها وابوته لنا نحسها وهو يحدثنا عن تأريخ العراق الحديث ..واذكر انه حين مر على حصار الكوت وماحدث للناس من جوع وعوز مما اضطرهم الى اكل الجثث ..وحين كان الجند يوزعون قطع اللحم قالت امراة معترضة على حصتها القليلة
_ لكنها اختي !
رايت دموع خجولة تبلل عيناه وحياء جميل تتكحلان به ..حين يصيب الحزن هذا الرجل يسبح وجهه في غيمة سوداء ويغوص في بئر حزينة لاقرار لها ..وكان لسنين طويلة عجاف يحتفظ بصور ابنائه
..يحفر الحفر ويدفنها ..فجنود الاقفاص لايرحمون اذا
ما عثروا عليها .. و لأول مرة رأيت في عينيه دموع
لاتقبل ان تنزل وهو يردد اغنية لعبد الحليم حافظ..صورة ..صورة ..عرفت حينها انهم مزقوا ذكريات هذا الكبير.. مزقوا صور اولاده بعثروا تأريخه ثم عاقبوه …واردت ذات يوم الترفيه عنه فرحت احدثه هو والمجموعة نفسها عن ذكرياتي البعيدة
_ لا لم اكن اكره عبد الحليم حافظ الحقيقة.. كنت اغار منه حد الجنون .. كانت غيرة شديدة القسوة على نفسي .. أغار من كل صبية تهز راسها طربا على اغانيه ..واستشيط غضبا من جدائلها وهي تلعب على كتفيها ..
وقصصت عليهم كيف ساقني القدر في العام 1977 الى القاهرة وبالضبط يوم وفاة عبد الحليم حافظ وفي اليوم الثاني وجدت نفسي غاطسا” في موكب العزاء بعد ان قدمت نفسي الى شقيقه اسماعيل شبانة :
_ علي حداد من العراء
اعرف ان سيجارة اخرى من الممنوعات كنت ساخبره ان المرحوم كان غريمي !
ويوم انتشر الموت بين اقفاص الاسر نتيجة ما اطلقنا عليه< يوم الاسهال العالمي > لم يمت عدنان عبد الحميد السوز لكنه مات لان واحد من الاسرى اللوطيين شتمه واعتدى عليه .. فراح جسده الضخم يتقلص وينطفأ.. وكاد ان يصير جسد لصبي في الرابعة عشر من عمره ! كنت اعرف انه كان يأكل بنفسه ..يقظمها قطعة ..قطعة .. ثم قرروا أخيرا أرساله الى المستشفى.. خرجنا ستة من محبيه لتوديعه كنا جميعا كهياكل بشرية مرعبة .. لكن المفاجئة التي صعقت تلك الهياكل …انه التفت الينا وتلك الابتسامة الساحرة ترتسم على شفتيه وهو يقول لنا بفرح طغى على جسده المنهوك :
_ ولأول مرة يااصدقائي يحدث لكائن حي ان يشهد تشييعه فشكرا لتشييعكم المهيب ..
وقد صدق حدسه الكبير ذاك .. فتذكرت حين ذاك جنازة عبد الحليم حافظ كانت ثالث اكبر جنازة في الوطن العربي بعد جنازة جمال عبد الناصر وام كلثوم ..وراودتني ايضا ذكرى اغرب جنازة في تأريخ البشرية وهي جنازة الفنان الكبير سليم البصري كما رواها لي صديقي فقد استقر التابوت على سقف سيارة التاكسي وكان الفنان حمودي الحارثي هو المشيع الوحيد …
ايه… يا عدنان عبد الحميد السوز ..جنازتك مع تلك الهياكل البشرية الستة … لا تنقصها الهيبة ….أبدا
ملاحظة :من اهانه قتل على يد اعمامه بعد خروجه من قفصه بيومين فقط !
30/3/2020 قبور تحاكي السماء