الأربعاء, يوليو 30, 2025
spot_img
الرئيسيةمقالات - العزاء.. يخفف وجع ومصاب اهل الفقيد

[ الفاتحة ] – العزاء.. يخفف وجع ومصاب اهل الفقيد

[ الفاتحة ] – العزاء.. يخفف وجع ومصاب اهل الفقيد
عباس طريم


يقول الشاعر الكبير محمود درويش : [ الموت لا يوجع الموتى، الموت يوجع الأحياء ] فالموت حقاً لا يوجع الموتى لأنهم فارقوا هذه الحياة جسداً , ولكن تظل أرواحهم تعيش فينا وتزلزل ارواحنا وتقض مضاجعنا , وصدق الشاعر.. الموت يوجع الاحياء ويفقدهم الصواب على فقد احبتهم ويعرضهم لشتى الضغوطات النفسية . وعادة ما يرتبط فقدان الاهل لاحد احبائهم بمجموعة من المشاعر يصعب التعامل معها كالحزن والالم , ويجعلهم بأمس الحاجة الى كلمات التعزية لتخفيف الصدمة الناتجة عما اصابهم .ويمتاز مجتمعنا بالاهتمام البالغ ” بالمواساة “، وكأي مجتمع اخر فإن لمجتمعنا تقاليده وأعرافه في برامج “التعزية والمواساة “، وابرزها ما يطلق عليه مجالس الفاتحة، التي يحتشد الناس فيها لتعزية أهل المتوفى، ويقرأ المعزين فيها سورة الفاتحة مع جزء من القرآن الكريم .. وبإمكان كل منا التخلف عن حضور مناسبات الفرح والاعراس , لكن ” في الموت والعزاء ” لا يمكن ان يتخلف عن الحضور باي شكل من الاشكال , لأنها فاجعة ومصيبة ولا يمكن ان نقف امامها متفرجين , تاركين أصدقائنا واحبائنا يقطعهم الألم , وليس من المروءة ان نسمع صراخهم وعويلهم , ولا نسعى للوقوف معهم , ونعزيهم في هذه الفاجعة . وقد اكدت جميع الديانات على وجوب التعزية لأهل الميت , بما فيها الدين الإسلامي الذي حث اتباعه على ضرورة زيارة اهل المتوفي وتقديم الواجب , والإسلام دين الرحمة والتعاون والمواساة , واوصاهم بالتواصل والتراحم في الأوقات العصيبة . قال النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم [ من عزى مصابا فله مثل اجره ] وقال صلى الله عليه واله وسلم , [ ما من مؤمن يعزي اخاه بمصيبة الا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة ] .. لذلك نجد أصحاب العزاء ينتظرون أقاربهم واصدقائهم ليخففوا عنهم المصاب الجلل, ببعض الكلمات التي تلمس قلوبهم فيشعرون معها بالراحة في هذه اللحظات الحرجة . وعادة ما تتقاطر الجموع للحضور الى موقع العزاء من اجل “المواساة ” .ليقفوا مع اهل المتوفي
,ويشدوا ازرهم في هذه الظروف الصعبة .. وهنا, تظهر المودة واضحة وجلية لأهل العزاء وتنكشف مشاعر الاخرين على حقيقتها, من خلال مواقفهم , حيث يقدم كل منهم أوراق اعتماده وتقديره الحقيقي لأصحاب العزاء , كل حسب مستوى العلاقة التي تربطه بهم .. فمنهم من يأتي الى ” موقع العزاء” ويسلم ويجلس ويقرأ سورة الفاتحة , وخلال عشرة دقائق يظل خلالها ينظر الى ساعته وكانه يجلس على صفيح ساخن ,ثم سرعان ما يعيد قراءة الفاتحة ويغادر المكان , ويعتقد انه أدى ما عليه من مراسم العزاء , ومنهم من يكتفي بالتعزية عبر الهاتف متعذرا ببعض العوائق التي تعيق حضوره كالمرض الذي لا يأتيه الا في هذا الوقت, ومنهم من يأتي بعد ان يشارف العزاء على الانتهاء لأنه انشغل بأمور , يعتقد انها اهم بكثير من القدوم الى العزاء ,ومنهم من يأتي وينشغل بهاتفه وكانه جالس [ في مقهى ام كلثوم ] غير ابه حتى لقراءة القران الكريم , ومنهم من يتصل بعد عدة أيام من انتهاء العزاء , ومنهم من لا يأتي أصلا ويعتذر بعدم سماعه الخبر, رغم نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووصول الخبر لإسماع القاصي والداني , ومنهم من يأتي ويدخل بحديث مع أصحابه مصحوبا بضحكات [ وقهقهات ] ضاربا قدسية المناسبة بعرض الحائط , ومنهم من يأتي كصديق عزيز يحافظ على ثقافة المواساة وما يترتب عليها من احترام للعادات والتقاليد التي تربطنا كمجتمع قبلي قبل كل شيء, تعود على حضور مثل هذه المراسم واحترام أصحاب العزاء بشكل يليق بالخلق الرفيع الذي تعودنا عليه ويساهم بدعم أصدقائه لآخر لحظه ” وهذه هو السائد في مجتمعنا “.. إن الأصل في العزاء , هو تخفيف احزان ومعانات أهل الفقيد في مصابهم , ولا ينبغي أن يكون مكانا للضحك والقهقهة بدون مراعاة لمشاعر أهل الميت.. والمعروف للجميع .. ان ليس من السهل ابدا مواساة صديق او قريب يمر في أوقات صعبة , خاصة عندما يشعر هذا الأخير بالحزن الشديد بعد خسارة شخص عزيز على قلبه, وانت تجلس امامه وتهمس بأذن صاحبك وتضحك او تخرج مباشرة من العزاء وتتركه .
ويعتبر وجودك قرب صديقك امرا في غاية الأهمية, لكي تعيد له الامل وتحسن معنوياته
وتشجعه على الثبات وتخطي الاحزان والمحن , وعليك ان تبقى بجانبه حتى النهاية في هذه المناسبة الأليمة لأنها تقتضي بذل المزيد من الدعم والتعاون مع اهل الفقيد ,لا ان تأتي عشرة
دقائق وتغادر لتسجل مجرد حضور ” صوري ” لا معنى له , خاصة اذا كان صاحب العزاء , صاحب مواقف مشرفة معك , وانت تعلم
لو ان الامر كان معكوسا , وانت كنت صاحب المصيبة , لساندك على طول الخط وبقي معك حتى النهاية.. لكني اعود وأقول : [ كل يعمل
بضميره واصله ]. والمعروف , ان ابن العشائر الأصيل يواسي الناس ويتقيد بمفهوم المواساة الحقيقية , ويعتبرها من الأولويات والواجبات التي لا يمكن اغفالها, وهو يدرك بان الموت لا يقف عند حد , وكل العوائل معرضة لزيارته الكريمة .. وأود ان انوه هنا ,الى ان اغلبية الناس تلتزم بحتمية الحضور والتقيد بآداب ” المواساة ” لكني اذكر الاستثناء منهم ” أي القلة ” الذين لا يعرفون معنى الالتزام بالواجبات التي تميز بها مجتمعنا منذ الازل, وحرص على التقيد بها. هؤلاء لا نعرف من أي طينة خلقوا , تساندهم في مناسباتهم واحزانهم , ولا يعيروا وزنا لفاجعتك ومصيبتك ولا يعرفوا معنى ” التقيد بالأخلاق والتربية ” ولا يتأثرون لمصاب الاخرين .. تواسيهم في مصابهم ,ويتخلفون عن مصابك ..ولا اعلم , هل هم بشر مثلنا [ ام شواذي ].؟ والشاعر يقول : [ وما عجب هذا التفاوت بيننا … فكل اناء بالذي فيه ينضح ]

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -spot_img

الأكثر شهرة

يقولون

المياه الدافقة

احدث التعليقات