الأربعاء, يوليو 30, 2025
spot_img
الرئيسيةمقالاتالصحافة أمانة.. لا منصب

الصحافة أمانة.. لا منصب

الصحافة أمانة.. لا منصب
مظفر عبدالمجيد المحمداوي
رئيس اتحاد الصحفيين العراقيين

أنا صحفي، لا لأنني أحمل بطاقة صحفية، ولا لأنني أطل من شاشة، بل لأنني اخترت أن أكون حارساً للكلمة، شاهداً على الحقيقة، وجنديًا في معركة الوعي، وسط ضجيج السطحيات، وتضليل المنصات، وتجار الرأي.
لم أسعَ يومًا إلى منصب، بقدر ما سعيت إلى مسؤولية. فرئاسة اتحاد الصحفيين العراقيين ليست شرفًا شخصيًا، بل أمانة وطنية وثقافية،
تحتاج إلى بوصلة أخلاقية قبل أن تحتاج إلى شعارات.
كيف لي أن أكون ممثلًا للصحفيين، إن لم أكن أول من يدافع عنهم علنًا، ويحميهم من التهميش والتطويع في الخفاء؟
منذ أول الطريق، لم أفهم الصحافة كمهنة، بل كرسالة.
رسالة فيها شرف الكلمة، وقدسية الحبر.
الصحفي — في قناعتي — هو المثقف الذي ينزل إلى الشارع، لا يتعالى على الناس، بل يتحدث بلغتهم، ويفكك قضاياهم، وينقل وجعهم بلا تجميل، ولا توجيه.
نحن لا نكتب لأن هناك خبراً، بل لأن هناك قضية، وهناك وطن يجب أن يبقى حيًا في ضمير الكلمة.\
كم صحفيًا خسرنا في هذا الطريق؟
كم قلمًا كُسر؟ كم صوتًا أُسكت؟
ومع ذلك، يبقى الصحفي العراقي يحمل روحه على كفه،،، ويخرج كل يوم ليسأل، ويكتب، ويسجل الحقيقة كما هي، لا كما يُراد لها أن تكون.
أنا لا أستطيع قيادة الاتحاد، دون أن أسمع نبض زملائي في المحافظات،،، ولا أستطيع تمثيل الصحافة العراقية، إن لم أكن في مواجهة يومية مع المسؤول، ومع التضليل، ومع الجهل الذي يحاصر الحقيقة.
حين استلمت رئاسة اتحاد الصحفيين العراقيين ،، قررت أن يكون الاتحاد مؤسسة مهنية تُنتج الوعي،،، لا مجرد مكتب إداري يوزّع التصاريح.
فتحنا الأبواب للتدريب والمبادرات،،، وانفتحنا على الإعلام الرقمي، ودافعنا عن حرية التعبير ضمن ضوابط المسؤولية الوطنية.
نحن لا نحمي فقط الصحفي، بل نحمي المعنى النبيل للصحافة نفسها. ولهذا أقولها بوضوح: من يكتب لأجل أجندة… ليس منا. ومن يساوم على قلمه… لا مكان له بيننا.
جيل الصحفيين الشباب اليوم لايريد خطبًا ،، ولا شعارات،.. بل من يؤمن به، ويدرّبه، ويحميه من الوقوع في فخاخ التريند والسطحية… كان همّنا الأول في الاتحاد هو احتضان الطاقات الجديدة،
وخلق جسور حقيقية بين الشباب والخبرة.
فلا قيمة لأي “سبق صحفي”،،، إذا كان ثمنه ضميرك… لا تنخدعوا بالأضواء المؤقتة،، فالصحفي الحقيقي لا يُقاس بعدد متابعيه، بل بحجم تأثير كلمته في وعي الناس.
أنا رئيس اتحاد الصحفيين، نعم، لكنني قبل كل شيء صحفي عراقي ،،، أعرف تمامًا ماذا يعني أن أعيش بين التهديد والتشكيك ،،، بين الأمل والخوف، بين المهنة والوطن. لكني اخترت أن أبقى في قلب المعركة …لا في مقاعد المتفرجين. فالصحافة ليست خبرًا يُنشر، بل أثرٌ يبقى في ضمير الوطن.
وقبل أن أضع نقطة النهاية…
لايمكنني أن أختم دون أن أخص بالذكر روحًا طاهرة رحلت عن دنيانا، لكنها لم ترحل عن قلبي: إلى والدي الصبور… الذي كان مصدر قوتي وملهم مسيرتي… كنتَ سرّي الصامت في كل نجاح،،،، رحلت يا أبي، لكن دعواتك ما زالت تضيء طريقي،،، ونصائحك ما زالت ترنّ في أذني كلما وقفت على مفترق قرار.،،، كنتَ السند في صمتك، والمحرّك في دعائك، والعكاز الذي لا يُرى… لكنه يحملني دومًا.
رحمك الله يا أبي. كل إنجاز أحققه،،، كل حرف أكتبه،،، كل موقف أعتز به ،،، هو هدية لروحك النقية. سلام عليك في الغياب، وسلام عليك ما دام في قلبي نبض،
وفي قلمي حياة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -spot_img

الأكثر شهرة

احدث التعليقات