الثلاثاء, يوليو 1, 2025
spot_img
الرئيسيةألا يجدر أن نتعظ؟

ألا يجدر أن نتعظ؟

ألا يجدر أن نتعظ؟

ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية من حرائق في الفترة الأخيرة وأثره على الاقتصاد الأمريكي ليس شيئًا بسيطًا. فقد حاول البعض من بسطاء الناس تفسيره على أساس الغيبيات، وربطوه بما فعلته أمريكا في العالم من قتل وحروب، معتبرين أن هذه الأحداث هي نتيجة لذلك. لكن الحقيقة ليست كذلك، بل أن الظروف الطبيعية والمتغيرات المناخية نتيجة للاحتباس الحراري وزيادة نسبة الكربون في الجو بسبب التنافس الصناعي غير المنضبط هي المؤثر الرئيسي والعامل الأساسي. ونتيجة لذلك، شهدت الولايات المتحدة ارتفاعًا في درجات الحرارة وانخفاضًا كبيرًا في هطول الأمطار، مما أدى إلى الجفاف الواسع وتيبس النباتات البرية من أشجار وشجيرات وأدغال في غابات لوس أنجلوس، مما ساعد على احتراقها بسرعة من أول شرارة مع اشتداد العواصف وسرعة الرياح، وانتقال الحرائق بسرعة. وقد تسببت هذه الحرائق في تدمير الغابات والمدن، وتجاوزت آثارها الاقتصادية 275 مليار دولار، عدا التأثيرات البيئية والصحية.

هذا الأمر لابد أن يدفعنا إلى إلقاء نظرة على الوضع في العراق. فنحن نعاني منذ سنوات من الجفاف والتصحر، وخسارة نحو 100 ألف دونم سنويًا نتيجة لذلك. ولتلك الأسباب، من بينها شحة مياه نهري دجلة والفرات بسبب تحكم دول جوار المنبع. كما أنه في الأيام القليلة الماضية، دعا حاكم سوريا الجديد إلى إعادة النظر في الاتفاقيات المائية مع العراق. وبالإضافة إلى ذلك، حتى هذه الكميات التي تدخل إلى العراق، فإن هناك ضائعات كبيرة منها؛ حيث تشير وزارة التخطيط إلى أن حوالي 30 في المائة منها تضيع أثناء النقل، وحوالي 30-40 في المائة ضائعات حقلية نتيجة سوء إدارة استخدام المياه، والضعف في استخدام المكننة والتقنيات الحديثة في الري. وفي صيف العام الماضي، تجاوزت درجات الحرارة في العراق 50 درجة مئوية، مع احتمالية زيادة درجات الحرارة في المستقبل القريب بمقدار درجتين مئويتين حسب خبراء البيئة والمناخ بحلول عام 2050. كما أن هناك استمرارًا في تجريف الأراضي الزراعية نتيجة للزيادة السكانية، وعدم وجود خطط كافية لمواجهة أزمة السكن. وأخيرًا، هناك التجاوزات على خزانات المياه الجوفية، التي ليست ملكًا للجيل الحالي بل للأجيال القادمة، بالإضافة إلى التجاوزات على أراضي البوادي، التي كانت مراعي لمدة أكثر من 8000 سنة، وخلافًا لقانون الرعي.

كل هذا ينذر بحدوث كارثة قد لا تكون مشابهة لما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية، التي هي من أغنى دول العالم، لكن آثارها قد تؤثر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي في جميع المحافظات العراقية، الذي يمثل المورد الثاني في الدخل القومي بعد النفط (5 في المائة حسب وزارة التخطيط)، كما ستؤثر أيضًا على البيئة وصحة الإنسان. من هنا، يجب اتخاذ حزمة من الإجراءات السريعة لمعالجة هذه المشاكل، ومنها:

  • تشكيل هيئة عليا للزراعة والمياه: تدير قطاع الزراعة والمياه على كافة المستويات.
  • التفاوض مع دول الجوار (المنبع لنهري دجلة والفرات): بشأن حصة العراق المائية، باستخدام كافة وسائل الضغط الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية.
  • وضع برنامج شامل لإدخال المكننة والتقنيات الحديثة في الزراعة والري: ورصد المبالغ المالية اللازمة لتنفيذ ذلك.
  • إيقاف عمليات التجريف الجارية في الأراضي الزراعية والبساتين: وخاصة المجاورة للمدن، من خلال تطبيق القوانين الرادعة لذلك.
  • تطوير قطاع الرشاد الزراعي: وإدخال الأساليب الحديثة في الزراعة مثل استخدام البذور المنقاة ذات الإنتاجية العالية والملائمة للمناخات العراقية المختلفة، والأسمدة والمبيدات الضرورية وفق المقننات العلمية المقررة. ويتم ذلك من خلال دورات تدريبية خاصة للمهندسين الزراعيين والأطباء البيطريين في الداخل والخارج، مع تحديث شامل للمناهج العلمية بالتعاون مع المعاهد العالمية.

ــــــــــــــــــــــــــــ

  • مهندس زراعي استشاري

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -spot_img

الأكثر شهرة

احدث التعليقات